في مهرجان جلاستنبري، استخدم مغني الراب بوبي فايلان كلمات صادمة هتف فيها: "الموت، الموت للجيش الإسرائيلي"، بعد ترديده المعتاد لشعار "فلسطين حرة". تفاعل الجمهور معه بحماسة، مما يعكس مدى التعاطف الشعبي في بريطانيا مع القضية الفلسطينية، لكن كلمات فايلان أثارت حملة هجوم شعواء من الإعلام والسياسيين، رغم أن الهتاف لم يستهدف المدنيين أو اليهود، بل الجيش الإسرائيلي فقط.
ورأى البعض فرقة بوبي فيلان ليست فرقة تدعو للدفء والحنين، بل تعكس في موسيقاها الغضب من النفاق والعنصرية والجرائم الغربية. وعلى المسرح، قال فايلان إن "العنف أحيانًا هو الوسيلة الوحيدة لإيصال الرسالة"، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي يمارس عنفًا ممنهجًا ضد الفلسطينيين، ويجب مساءلته لا حمايته.
وسائل إعلام يمينية مثل Mail on Sunday حرّفت الهتاف إلى "الموت للإسرائيليين"، وأطلقت اتهامات كاذبة دفعت إلى إلغاء تأشيرات للفرقة في الولايات المتحدة، وفسخ تعاقدات، وفتح تحقيقات أمنية بحقهم في بريطانيا.
في السياق ذاته، وبعد أكثر من 20 شهرًا من الهجمات الإسرائيلية على غزة، وما خلّفته من دمار شامل ومجاعة وقتل للأطفال، يصبح الغضب من الجيش الإسرائيلي ردّ فعل طبيعيًا لشعب يعاني من الاحتلال والعدوان منذ 1948.
عدد كبير من الصحفيين والناشطين أكدوا أن الجيش الإسرائيلي هو أقوى مؤسسات الدولة الاستعمارية في إسرائيل، حيث يشارك نصف السكان في الخدمة العسكرية، ويقود الدولة قدامى المحاربين، ما يربط بين الجيش والمجتمع بشكل مباشر. ولذلك، فإن انتقاد الجيش لا يمكن تصنيفه كتحريض ضد اليهود، إلا إذا اعتُبر اليهود هم الجيش الإسرائيلي، وهو ما يشكّل بحد ذاته تحريضًا معاديًا للسامية.
بعض الأصوات الرسمية اتهمت بوبي فايلان بمعاداة السامية. نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي شيرين هاسكل قالت إن ما حصل يعكس "تسامحًا مع خطاب الكراهية لأن المستهدف هو اليهود". بينما قالت وزيرة الثقافة البريطانية ليزا ناندي إن الهتاف بمثابة الدعوة لقتل كل يهودي إسرائيلي، في خلط متعمّد بين المؤسسة العسكرية والشعب.
في المقابل، تجاهلت هذه الأصوات المجازر الحقيقية. فلم تصدر تصريحات مشابهة حين قصفت إسرائيل مقهى على شاطئ غزة وقتلت 33 مدنيًا، بينهم صحفيون وفنانون. كما كشفت صحيفة هآرتس أن جنودًا إسرائيليين تلقوا أوامر بإطلاق النار المباشر على مدنيين فلسطينيين جوعى كانوا يحاولون الوصول إلى مساعدات غذائية، دون أي استخدام لوسائل تفريق غير قاتلة.
الجدل الذي أثاره هتاف فايلان كشف ازدواجية المعايير. فبينما تروّج السلطات والإعلام له كمحرّض، يتم تجاهل آلاف الجرائم التي وثقتها منظمات حقوقية وصحفيون فلسطينيون على الأرض، دون محاسبة.
في تصريحات له بعد الضجة، قال بوبي فايلان: "لا ندعو لموت اليهود أو العرب أو أي جماعة أخرى. ندعو فقط لتفكيك آلة عسكرية عنيفة قتلت آلاف الأبرياء". وأضاف أن السلطات تستغل الهجوم على الفرق الموسيقية لتشتيت الانتباه عن الأسئلة الحقيقية: لماذا يصمتون أمام الإبادة؟ ولماذا لا يفعلون شيئًا لوقف القتل؟
الجيش الإسرائيلي لا يحتاج إلى الحماية من شاعر على خشبة المسرح، بل يحتاج إلى المساءلة أمام العدالة الدولية على ما يرتكبه من جرائم ضد المدنيين.
https://www.middleeasteye.net/opinion/death-death-idf-not-antisemitic-reserve-your-outrage-israeli-crimes-gaza